dimanche 27 mai 2007

al alam;a propos du jugement

بقلم: عبد الله البقالي
جريدة العلم
26-06-2007
ثمة حرص غير مفهوم على افتعال الأزمات وصناعة الاحتدام، وثمة قدرة كبيرة على تهويل بعض الانفلاتات التي لا تشكل أي تهديد، بل إن التهديد الذي يشكله تهويلها، أكبر بكثير مما قد يعتقد أنه يشكله في الأصل. لم تسلم الجرة هذه المرة في فاتح ماي، ونغصت الشرطة القضائية احتفاء الطبقة العاملة بعيدها العمالي بأن تركت كل الجوانب الإيجابية جانبا، والتقطت بعض ما يمكن أن نصفه بالانفلاتات، وقادت شباباً إلى مخافر الشرطة وجهزت لهم ملفات وقدمتهم لمحاكمات لا يمكن الاعتقاد لحظة واحدة أن الزمن السياسي المغربي قادر على تحمل ما يليها. لقد غضت السلطات الأمنية الطرف عن كل الجوانب والقضايا والمظاهر الإيجابية، من قبيل أن مئات الآلاف من العمال المغاربة احتشدوا في تجمعات وساروا في مسيرات جابت شوارع المدن، والنقابات العمالية تحدثت بما يكفي من انتقاد دون أن يحدث ما يمكن أن يدعو إلى القلق، بل مر يوم فاتح ماي هذه السنة كأن شيئا من كل هذا الاحتدام لم يكن، وهذا يؤشر على معطيات كثيرة ووازنة تحدث فقط في التجارب السياسية التي تنعم في أجواء الاستقرار، والتي تجد لها طريقا معبدة بالنسبة للمستقبل. السلطات الأمنية ركزت في كل هذا على البعد المخابراتي المتخلف، حيث حرصت كعادتها على زرع عناصر لها بين حشود العمال، وفي عمق التجمعات والمسيرات، وهي منهجية تكتسي خطورة بالغة جدا، وتقود في أحايين كثيرة إلى أن تخرج الأمور عن إطارها، وسياقها بعد أن يكتشف المحتجون هوية المبثوثين في أوساطهم، ولم تكن العناصر الأمنية مُنشغلة بما يخرج من أفواه العمال من شعارات تهم أوضاعهم المادية والمهنية وترتبط بالجوانب السياسية خصوصا ما يتعلق بالحرية وتلتقطها لترفعها إلى المسؤولين الذين يسارعون إلى إنجاز برنامج إصلاح مواطن الخلل في ضوء هذه التقارير التي تكتسي في إطار هذا البعد أهمية خاصة، لا بل إن هذه العناصر انشغلت بقضية أخرى تضرب هذه الفلسفة في العمق، وتؤكد أن الثقافة الأمنية التي سادت في الماضي ولم تجلب على البلاد إلا ما أضر بها لاتزال سائدة إلى الآن، ومن المحقق فإن نفس الأسباب تنتج نفس النتائج، إن العناصر الأمنية ركزت على انفلاتات قليلة جدا ولا يمكن اعتمادها لقياس أهمية ما حدث في تظاهرات فاتح ماي. فلقد انتبهت هذه العناصر في القصر الكبير وأكادير، إلى أن بعض المحتجين رددوا شعارات أدرجت في سياق المس بالمقدسات. وبما أن منهجية التواصل التي تعني احترام الرأي العام لا تجد لها موقعا في مثل هذه المحطات وهذا ما يفسر عدم إصدار بلاغ ليوضح للمغاربة كيف وقع المساس بالمقدسات في مسيرة عمالية؟ وهل هذه المقدسات بهذه الهشاشة التي تفرض علينا الإسراع بالاعتقال وتجهيز المحاكمات إثر حالتين معزولتين؟! الحقيقة التي تحاشت السلطات الأمنية تجنب مخاطبة الرأي العام في شأنها تفيد أن عددا قليلا من الشباب في مدينتي القصر الكبير وأكادير رفعوا شعارات فهم منها، أنها تمس بجلالة الملك، وحينما يصل الأمر إلى هذا المستوى فإن السلطات الأمنية تفقد صوابها. والحقيقة أن هؤلاء وغيرهم قد يكون كثير في مئات المسيرات التي جابت المدن المغربية يوم فاتح ماي رفعوا من ضمن الشعارات ما يمكن أن يتطرق للنظام السياسي ببعض العنف بيد أن هؤلاء يدركون أنهم يمارسون عملا نقابيا وسياسيا شرعيا في إطار نظام سياسي شرعي، وقد يقود بعض الحماس الذي يغمر المحتجين لحظة الاحتجاج إلى الصياح ببعض الكلام الذي لا يُقبل أن نخضعه للفحص المجهري لأنه لم يقد الى ما قد يشكل تهديدا للأمن والهدوء. إن السلطات الأمنية بالغت في تقدير الأمور في هذه الحالات وجرّت على البلاد تبعات لم تكن مستعدة لمواجهتها، إنه من حق الرأي العام العالمي أن ينظر الى المغرب من جانب اللااستقرار لأن ثمة الآن محاكمات سياسية الهدف منها التضييق على حرية الرأي والتعبير، ومن المؤكد أن أعداء المغرب سيتصيدون الفرصة السانحة لتقوية دفوعاتهم التي تستهدف المغرب، ومن حق الرأي العام في الداخل أن يعبِّر عن انشغاله بما حدث، ويعبر عن قلقه مما حدث، ويعرب عن تخوفه مما يحدث. ثمة حرص غير مفهوم على افتعال الأزمات، وصناعة الاحتدام، وثمة قدرة كبيرة على تهويل بعض الانفلاتات التي لا تشكل أي تهديد، بل إن التهديد الذي يشكله تهويلها أكبر بكثير ما قد يعتقد أنه تشكله في الأصل. قد نجد تفسيرا لتسرع السلطات الأمنية، فتصرفها يندرج في سياق ثقافة أمنية غارقة في التخلف، وترتكز على انفعالية واندفاع قوي إزاء كل ما يتعلق بمقومات النظام المخزني التقليدي، الذي أنتج ما أنتج من تجارب ومظاهر ونتائج، ويجتهد المغاربة الآن في إبداع بدائل وأشكال تجاوزه، لكن لن نتفهم أن يجاري القضاء تقدير السلطات الأمنية فيما ذهبت إليه. وفي هذا السياق لا يمكن أن نفهم الأحكام الغليظة والثقيلة والقاسية التي أصدرتها ابتدائية القصر الكبير إلا أنها مجاراة لما فرضته الشرطة القضائية، إنه من حقنا الآن أن نعول على القضاء الاستئنافي لإعادة الأمور الى نصابها من خلال الاعلان عن بطلان كل هذه المتابعات، أو على أقصى تقدير إعلان براءة المتهمين مما الصق بهم من تهم. إن تصرف السلطات الأمنية يعيد طرح قضية المس بالمقدسات. والمغاربة يجدون صعوبة تصل حد الاستحالة في فهم التعامل مع هذه المقدسات كيف يمكن تعريفها؟ ومتى يبدأ المس بالمقدسات ومتى ينتهي..؟ إنها الاشكالية التي نوقشت في الخمسينيات، والستينيات، والسبعينيات، وهاهي تطرح بنفس الفهم والطبيعة. تغيرت أمور كثيرة في البلاد، لكن على هذا المستوى لم يقع أي تغيير؟!.

Aucun commentaire: